كان صباح أحد الأيام، وقررت أن أغيّر روتيني المعتاد. ذهبت إلى أحد المقاهي التي يمدحها البعض كمساحة للعمل. طلبت قهوتي، جلست على طاولة قرب الحائط، وفتحت اللابتوب استعدادًا للغوص في مهمة مؤجلة، بكل حماستي وتركيزي…
لكنّ الجو لم يكن مستعدًا مثلي.
حيث أنه لم تمر سوى دقائق قليلة حتى بدأ الإزعاج…
كان الباب يُفتح ويُغلق باستمرار، صوت خافت… لكنه مزعج، يكرّر نفسه كإيقاع لا يتوقف.
وفي كل مرة يدخل أحد للمقهى، تُصدِر الستارة الهوائية زفيرًا حادًا، يعقبه ارتطام الباب وهو يُغلق بخفة تامة، لكنها تطرق في الرأس كالمطر.
لم يكن ضجيجًا صاخبًا، بل ذلك النوع الذي يتسلّل كقطرة…
لا يُربكك فجأة، بل يشوّشك بهدوء، حتى تجد نفسك غارقًا في ربكة من التفكير وتشوّش بالتركيز، دون أن تعرف السبب.
حاولت تجاهله، ركّزت انتباهي على العمل، عدّلت وضعيتي على الكرسي عدّة مرّات، ولكن بلا فائدة…
وفي لحظة ضيق، التفتُّ إلى أحد الزوّار في الزاوية المقابلة.
شابٌ يعمل بهدوء على جهازه المحمول، يبدو منسجمًا في عمله تمامًا.
ما شدّ انتباهي لم يكن مظهره أو عمله، بل تلك البساطة الأنيقة في ترتيباته:
سماعات رأس معزولة، حامل رفيع يرفع الجهاز بزاوية مريحة، وكل شيء في مكانه، مرتب ومريح للنظر.
كان يعمل بكل سلاسة، وكأنه في مكتبه، غير مكترث بما يحدث حوله. علامات التركيز ظاهرة على وجهه وكأن ضجيج المكان لا يصل إليه، تحصّن بمساحته المصممة له وحده، فانسحب من العالم دون أن يغادره.
في تلك اللحظة، شعرت بأنني أراقب “درسًا صغيرًا” في بيئة العمل الحديثة. كلانا نعمل في المكان ذاته وبالوقت نفسه، ومع ذلك كفاءتنا مختلفة تمامًا. ليس لأن أحدنا أذكى من الآخر، بل لأن أحدنا عرف كيف يؤمّن راحته ويضمن إنتاجيّته قبل أن يبدأ..
تفاصيل صغيرة ولكن تأثيرات كبيرة
في علم الأعصاب، هناك ما يُعرف بـالتحفيز السياقي، وهو أن المخ يتأثر بعناصر البيئة المحيطة دون وعي، كالإضاءة، الأصوات، وحتى وضعية الجلوس، تفاصيل قد تبدو هامشية… لكنها تُحدث فارقًا لا يُستهان به.
صوت الباب في حد ذاته، قد لا يزعجك دائمًا، لكنه في لحظة تركيز عميق يمكنه أن يخرجك من حالة “الانسياب الذهني” التي يصعب استعادتها سريعًا. لأن التركيز ليس مجرد قرار، بل هو حالة ذهنية حساسة لأي مقاطعة.
لم أكن أعلم حينها أن تلك اللحظة ستقودني إلى فكرة عملية، تلامس واقع الكثير من العاملين من أماكن غير تقليدية.
فحين عدت إلى فريق “Office Station”، شاركتهم هذه القصة. وتناقشنا حول ما يمكن أن نقدمه كحل عملي للمهنيين الذين يضطرون للعمل خارج منازلهم أو مكاتبهم.
لماذا لا نوفر باقة متنقلة؟ شيء بسيط، لكنه معد بعناية: سماعات مريحة تعزل الضجيج، حامل لابتوب خفيف وسهل الطي، وأدوات تنقل تساعد على تحويل أي طاولة إلى مساحة إنتاج حقيقية.
لاقت الفكرة حماسًا كبيرًا لدى الفريق لأنها تعكس تفهمًا للاحتياجات الحقيقية لدى المهنيين المتنقلين، فما بدا لي كإزعاج عابر… كان في الحقيقة بوابة لفكرة نابعة من تجربة.
العمل لم يعد محصورًا في المكاتب
اليوم، عدد كبير من المهنيين يتنقلون باستمرار: من اجتماع في مقر عميل، إلى مقهى بين مواعيد، أو حتى في رحلات السفر. ومع تزايد نمط العمل المرن والهجين، لم تعد أدوات المكتب كافية. أنت لا تحتاج فقط إلى جهاز لابتوب، بل تحتاج إلى بيئة متنقلة للعمل.
التفاصيل الصغيرة التي نهملها في العادة، هي ما يحدد جودة العمل في الخارج. وبدلًا من أن نقاوم الظروف، يمكننا أن نتسلّح لها بأدوات بسيطة ولكن فعالة.
لم تعد بيئة العمل تُقاس بجدران، بل بما تمنحه لك من مرونة وهدوء وانسيابية.
أحيانًا، تفصيلة واحدة كفيلة بتحسين يومك كله: شنطة ظهر عملية تسهّل عليك الانتقال من مكان لآخر، حامل بسيط يرفع الشاشة لمستوى العين، أو سماعة تبعدك عن الضوضاء. أدوات صغيرة، لكن أثرها كبير.
حين يكون الفرق في التفاصيل
لم يكن المشهد في المقهى درسًا في الانزعاج فقط، بل كان تذكيرًا بأن الكفاءة تبدأ من الاستعداد. وأن الفرق بين من يعمل وهو متوتر، ومن يعمل بانسيابية، قد يكون مجرد “سماعة جيدة”… وحامل لابتوب.
أشياء قد تبدو بسيطة، لكنها تغيّر كل شيء.
الكاتب: عبدالله الزهراني
النشرة من إعداد: إنعام مصطفى