في بداية مشوارنا المهني، نبدأ الطريق محملين بأحلام كبيرة وآمال واسعة وأهداف طموحة.
تكون تلك الأهداف حينها مثيرة جداً؛ نفكر في أول راتب، ونتخيل الزيادات القادمة، ونراقب الذين وصلوا إلى مراكز أعلى منا، ونتساءل:
“كيف سيكون شعورنا عندما نكون مكانهم يوماً ما؟”
لكن تمر السنوات، ونجد أنفسنا نرتقي درجة بعد درجة، وفي كل مرة نحقق فيها هدفاً، نجد أنفسنا نتطلع إلى الهدف التالي…
لم تعد تلك الأهداف والمراكز التي كنا نحلم بها يوماً مثيرة كما كانت من قبل، بل أصبحنا نبحث عن شيء آخر أكثر إثارة وأبعد قليلاً عن متناولنا.
أسترجع أول يوم في وظيفتي، براتبها المتواضع، وزملائي الذين كانوا يشاركونني تلك اللحظات، وكيف كنا نتحدث بحماسة عن اليوم الذي سيأتي ونحصل فيه على ترقيات ورواتب أعلى.
أتذكر جيداً نفسي وصديقي ونحن نتخيل رصيد البنك في اليوم الذي سيُنزل فيه الراتب الجديد، كان مجرد التفكير في ذلك يملؤنا بالسعادة والرضا.
اليوم، وبعد مرور السنوات، تحقق ما كنا نحلم به وأكثر بفضل الله. الراتب الذي كنت أتخيله بحماسة في السابق أصبح اليوم رقماً في الحساب، بل أكثر من ضعف ذلك الرقم.
الغريب أن تلك الإثارة القديمة لم تعد موجودة كما كنت أتوقع. عندما وصلت إلى منصب كان في وقت ما مجرد حلم بعيد المنال، تفاجأت بأنني لا أشعر بنفس الحماسة التي كنت سأشعر بها لو سألتني قبل سنوات…
ما جعلني أعيد النظر في نفسي أكثر هو أحد الزملاء الذي كان يشكو من وظيفته، ويتمنى الانتقال إلى وظيفة أخرى لمجرد أن دخله -بعد أن قارن نفسه بزملائه الآخرين- كان أقل منهم قليلاً.
تأملت في تلك اللحظة كمية النعم التي تحيط بنا، وأدركت أن النعمة الحقيقية ليست في الراتب أو المنصب أو المركز؛ إنما النعمة الأعظم هي في إدراك تلك النعم ذاتها. أن تكون واعياً بحجم ما تملك وتعيشه وتستشعره، هذا الوعي والإدراك بحد ذاته هو أعظم النعم على الإطلاق.
كثيراً ما نقارن أنفسنا بتلك الصورة المثالية التي نطمح إليها في المستقبل، وهذا أمر جيد بلا شك لأنه يدفعنا إلى الطموح والتحفيز.
لكن المشكلة تكمن عندما ننسى أن نستشعر جمال ونعمة اللحظة التي نحن فيها حين نصل إليها. الأحلام والطموحات مثل النجوم في السماء، وظيفتها أن تقودنا وترشدنا في رحلتنا، لكنها ليست أماكن يمكننا الوصول إليها بشكل نهائي.
بماذا تقيس تقدّمك؟
تعلمت أن نقطة المقارنة الحقيقية يجب أن تكون مع نفسي السابقة، وأن أقيس نجاحي وتقدمي من خلال إدراكي للإنجازات والمعاني التي أعيشها اليوم مقارنة بما مضى.
في النهاية، أدركت بأن إدراك النعمة واستشعارها، والوعي بحقيقة ما نملك هو أعظم النعم وأغلاها.
الكاتب: عبدالله الزهراني
تحرير وإعداد: إنعام مصطفى