لن تجد ساعة روليكس في وسط الصحراء

شارك

تخيل أنه تم اختيارك في مهمة رحلة لاستكشاف كوكب المريخ.
وبينما تسير على رمال صحرائه الحمراء القاحلة، فجأة، تخطف انظارك ساعة يد متقنة الصنع ملقاة على الرمال، كل مسمار فيها في مكانه وكل ترس يدور بانسجام دقيق.

لكن المريخ كوكب غير مأهول، ولا أثر للحياة فيه. فكيف وصلت هذه الساعة إلى هنا؟

ما احتمال أن تكون قد تجمّعت بالصدفة من حبات الرمل المتناثرة؟

هذا المثال الكلاسيكي، استخدمه بعض العلماء المؤمنين لشرح ضرورة وجود مصمم للكون نظرًا إلى دقّة وإتقان صنعه مّما يستوجب بشكل منطقي وجود صانع ومصمم له.

(درجة إتقان الروليكس أقل مقارنة بدقة ضبط الكون بنسبة 1 الى 10119!)

 

لكن هذه الفكرة ليست حكرًا على الكون وحده…فحياتك أنت أيضًا تحتاج إلى تصميم.

 

كثير من الناس ينجرفون مع التيار؛ يختارون تخصصاتهم كما ينصح المجتمع، أو بناءً على أي مجال يَعِد بـ“مستقبل جيد” — والمستقبل الجيد، في منظورهم، يعني دخلًا ماديًا أكبر.

وحتّى بعد سنوات من العمل، لا يزالون يتّخذون قراراتهم بنفس الطريقة: “حسب معايير مادّية فقط”.

لكنهم قلّما يقفون ليسألوا:

  • ما هي قيمي الجوهرية؟
  • ما الغرض الأعمق من حياتي؟
  • وهل ما أفعله الآن يتماشى مع تلك القيم والغاية النهائية التي أريد أن أعيش من أجلها؟

القيم الجوهرية هي ما يمنح حياتك المعنى. هي تلك الأفعال التي لو أزلنا من حولك المجتمع والعمل والضغوط، ستظل تمارسها لأنك تريدها أنت، لا لأنك مُجبر عليها.

 

أما الغرض من الحياة فهو أن تتخيل نفسك في عمر الثمانين، وتنظر للخلف:

ما الذي، لو فعلته، سيجعلك مستعدًا للرحيل بسلام؟

فالأهداف يجب ان تحدّد على اساس القيم الجوهرية والغاية الاسمى, لا بطريقة عشوائية تائهة.

تحدّث جيم كولينز وجيري بورتاس عن مبدأ مشابه في ورقة بحثية نُشرت في

Harvard Business Review
عام 1996، حيث عرضا كيفية بناء غاية لشركتك تنطلق مما سموه core ideology أي من قيم أساسية ثابتة لا تتغيّر.

من الجدير بالذكر أن كولينز وبورتاس تطرقا إلى فكرة أن الاستراتيجيات قد تتغير حسب الظروف، لكن القيم الجوهرية يجب أن تظل ثابتة.

 

من الاساليب التي وجدتها بسيطة ولكن قوية جدا هي اسلوب تايوتا “5 Whys”.

وهي باختصار، عند مواجهة اي قرار، اسأل نفسك خمس مرات “لماذا افعله؟”
في كل مرّة، سيتضح اكثر اذا كان ماتفعله تحتاجه فعلا او لا.
وشخصيا اجد ثلاث مرّات كافية مع مقارنتها بقيمي الجوهرية.

كنتُ أدرك بداخلي أنني أعرف وجهتي دائمًا، فأجاري التيار تارة وأقاومه تارة اخرى.
لكنني كنت، في العمق، أتحرك مع التيار أكثر مما أقرّ به.

 

حتى جاء يوم جلست فيه مع نفسي، بعد إجازة طويلة، وقررت أن أصمم حياتي كما يصمم صانع الساعات تحفته.
عندها قرّرت أن اسأل نفسي ثلاثة أسئلة:

  1. ما هي الغاية من حياتي؟خرجت بثلاث غايات كبرى أريد أن أصل إليها عندما أبلغ الثمانين، مع 5 قيم جوهرية تجعل لحياتي معنى.
  2. ما هي الظروف الأساسية التي يجب أن أخلقها لتحقيق هذه الغايات؟من هنا خرجت بـ”نموذج الحياة” أو “نظرية الحياة” كما أسميتها. أهداف رئيسية تقود -عندما تتحقق- إلى الظروف الأساسية لتحقيق الغايات الكبرى، ويتفرع عنها أهداف فرعية عامّة. ومنذ ذلك الحين، صرت أعرض أي عمل أو فرصة تواجهني على هذا النموذج:
    • هل تتماشى مع قيمي الجوهرية؟
    • هل تخدمني في تحقيق أي من الأهداف العامّة؟
  3. ماذا لو أزلت كل الهموم والالتزامات وحتى المال من حياتي، مالّذي سأظل أعمله؟وجدت نفسي سأفكر! سأمارس القراءة والكتابة ثم التفكير بشكل أكبر. وجدت أن “التفكير” هو أحد قيمي الجوهرية وأحد الأشياء التي تعطي لحياتي معنى. وعندما سألت نفسي “لماذا؟” ثلاث مرّات، أدركت كيف أستطيع أن أمارسها لساعات طويلة دون توتر أو جهد أو تكلّف.

عندها أصبح التفكير هو أحد القيم الجوهرية لدي في نموذج الحياة الخاص بي.

والآن، أصبحت أقارن الفرص والاعمال التي تواجهني بنموذج الحياة،
وقيمة التفكير أصبحت عنصر أساسي فيها.

 

جعلت هذه الأسئلة البسيطة، مرجعيّتي: هل الفرصة ستسمح لي بممارسة هذه القيمة؟ هل تتعارض معها بالتالي قد تسبب لي توتر؟
هل تتوافق وتتناغم مع الأعمال الاخرى التي أقوم بها بناءً على هذه القيمة وغيرها من القيم الجوهرية؟

ولذلك عزيزي القارئ/عزيزتي القارئة، أنت تقرأ هذه الكلمات الآن!

كيف ستصمم ساعتك؟

جميعنا يجد نفسه في لحظة من اللحظات وهو يمشي فوق رمال الصحراء.
وحياتك العملية أشبه بساعة دقيقة؛ كل ترس فيها له وظيفة، وكل حركة فيها مقصودة.
لكنها لن تتقن نفسها بالصدفة، ولن تجدها تتجمّع كاملة وجاهزة بطريقة متقنة من رمال الصحراء بنفسها …
عليك أنت أن تصمّمها.

 

الكاتب: عبدالله الزهراني

تحرير وإعداد: إنعام مصطفى

التعليقات (0)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أحيانًا تحس إنك تعبان..

لكن ما تقدر توقف لأنك تحاول تصنع شيء، بس البيئة ما تساعدك!