معضلة المساجين
تحدّثنا في المقالتين السابقتين عن نظرية اللعبة.
في المقالة الماضية تناولنا “الألعاب المتتابعة”، حيث تُتخذ القرارات بشكل متسلسل يعتمد فيه كل لاعب على حركة من سبقه.
أما في هذه المقالة سنعرض النوع الآخر: الألعاب المتزامنة: والتي تُتخذ فيها القرارات في الوقت نفسه للطرفين.
تخيّل أن إدارة الشركة قررت نظامًا جديدًا للمكافآت يعتمد على الأداء المتوسط للموظفين. كل موظف تُحسب مكافأته مقارنة بمتوسط أداء الفريق.
هل سيتعاون الموظفين؟
نظريًا، إذا تعاون الموظفون وشاركوا خبراتهم، سيرتفع الأداء العام ويحصل الجميع على مكافآت أعلى.
لكن في الواقع سيبدأ التفكير الفردي:
“ماذا لو كشفت كل أوراقي وساعدت الآخرين، بينما احتفظ أحدهم بمعلوماته؟ سيكون لديه أفضلية عليّ.”
هذا التفكير يُدخل اللعبة في دائرة “عدم الثقة”. وعندها سيبدأ كل موظف بالاحتفاظ بالمعلومات بدلًا من مشاركتها، خوفًا من أن يستغل الآخرون تعاونه لصالحهم.
والنتيجة؟ أداء أقل بكثير مما كان يمكن تحقيقه لو كان هناك تعاون حقيقي بين الجميع.
هذا المثال يشبه التجربة الكلاسيكية الشهيرة في نظرية اللعبة: معضلة المساجين (Prisoner’s Dilemma).
شرح مبسّط للمعضلة
تخيّل أنّ هناك سجينين متهمين ومعزولين في غرفتي تحقيق مختلفة:
- إذا التزم السجينان الصمت، نالا عقوبة مخففة (سنة واحدة في السجن).
- إذا اعترف أحدهما بينما الآخر صمت، يخرج المعترف بلا عقوبة بينما ينال الآخر أشد حكم (10 سنين سجن).
- إذا اعترف الاثنان معًا، نالا عقوبة متوسطة (5 سنين سجن).
المنطق الفردي يدفع كل واحد إلى الاعتراف، لأنه الخيار الأكثر أمانًا مهما فعل الآخر.
هذه هي ما تُسمى الاستراتيجية المهيمنة: الخيار الذي يحمي اللاعب في جميع الحالات، بغض النظر عن قرار الآخرين.
لكن النتيجة النهائية أسوأ للجميع مقارنة بما لو تعاونوا.
في نظرية اللعبة، يسمّى الخيار بالصمت في هذا المثال “بالتعاون” أو “cooperation”،
بينما النوع الآخر متمثّلًا بالاعتراف في هذا المثال بـ “defect” أو بما سأُسمّيه باللغة العربية “الارتداد”.
هل يمكن أن تكون معضلة المساجين ذات تأثير إيجابي؟
في حالة الموظفين، النتيجة النهائية كانت أسوأ للشركة ككل. لكن في حالات أخرى قد يكون لهذه المعضلة أثر إيجابي، كما في المنافسة التجارية.
لنبسّط المثال: تخيّل وجود شركتين متنافستين. إذا وضع كل منهما سعر السلعة عند 100 ريال (بربحية قدرها 50 ريال لكل وحدة)، وكان لدينا 100 عميل توزّعوا بالتساوي بينهما، فإن نصيب كل شركة سيكون 50 عميلًا، أي ما يعادل 2500 ريال أرباح لكل شركة.
هل ستتبع كل شركة استراتيجية “التعاون” وتضع السعر 100 ريال أم ستتبع كل منهما استراتيجية “الارتداد” وتخفض السعر؟
إذا باعت شركتان نفس السلعة بسعر 100 ريال، تحقق كل منهما 2500 ريال أرباحًا.
ولكن، ماذا لو خفضت إحدى الشركتين السعر إلى 80 ريال؟
لنفترض أنّها ستجذب 80% من العملاء وتحقق 3200 ريال، بينما تهبط أرباح الأخرى إلى 1000 ريال فقط.
عندما تفكّر كل من الشركتين في هذه الاحتمالية، ستتبع الشركتان استراتيجية الارتداد (ستصبح هي الاستراتيجية المهيمنة) وسيخفض السعر تدريجيًا حتى يصل إلى الحد الأدنى الممكن، ولنفترض أنه 50 ريال. هنا ينخفض ربح كل شركة إلى 1250 ريال.
ولكن في هذا المثال من هو المستفيد الأكبر؟
المستهلك!
المستهلك هو المستفيد الأكبر بالحصول على أسعار أقل!
وهذا بالضبط ما تقف وراءه قوانين المنافسة التي تمنع الشركات من الاتفاق على رفع الأسعار. لأن باتباع كل شركة متنافسة استراتيجية الارتداد سينعكس ذلك إيجابًا على الاقتصاد ككل (على الأقل في الوضع المثالي!).
لماذا لا يتفق اللاعبون؟
قد يبدو من السهل أن يتفق الطرفان على التعاون، لكن من شروط معضلة السجين وجود ما أسمّيه “فشل في التواصل”:
- إما لغياب وسيلة تواصل فيزيائية كما في مثال المساجين.
- أو لانعدام الثقة في وعود الطرف الآخر.
ولأن القرارات في الألعاب المتزامنة تُتخذ في اللحظة نفسها، لا فرصة لتعديل المسار بعد معرفة قرار الطرف الآخر.
الكاتب: عبدالله الزهراني
تحرير وإعداد: إنعام مصطفى