ما وراء النظرية النسبية وامازون

شارك

لن أنسى ذلك الباب!

كان مساءً باردًا من أمسيات مدينة الرياض. اجتمعت مع اصدقاء جاؤوا من مدينة جدّة في شقّة استأجروها عبر أحد التطبيقات. كانت الشقّة غريبة بعض الشيء؛ فعلى غير العادة، حتى الخروج من الشقّة يتطلّب رمزًا سريًّا ليُفتح الباب!

 

انطلق الشباب قبلي واتفقنا على أن نلتقي في أحد المطاعم.
إلّا أننّي علِقتُ بداخل الشقّة عندما تفاجأت بنظام هذا الباب!
تذكّرت أن الشباب تحدّثوا في وقت سابق عن هذا النظام الغريب وأتذكّر بأن أحدهم ذكر الرمز المستخدم، ولكن محاولاتي العديدة في تذكّره باءت بالفشل.

وعندما يئست من المحاولة، التقطت هاتفي لأتصل بأحدهم، لكن لسوء حظّي، كانت الشبكة ضعيفة جدًا.

 

شعرتُ ببعض التوتر؛ أعرف وجهتي وأريد النزول للسيارة لألتقي بهم في المطعم الذي تواعدنا فيه، لكن… ذلك الباب كان يقف عائقًا.

وقفت اتأمّل في جهاز الرمز السرّي وكأنه لغز معقّد، فقط أربع أرقام إذا وضعتها بالترتيب الصحيح سيُفتح الباب.
فكّرتُ في تجربة محاولاتٍ عشوائية لعلّ إحداها تُصيب، غير أنني أُحبِطتُ حين علمتُ أن هناك عشرةَ آلافِ احتمالٍ ممكن.

لذا فإن المحاولات العشوائية لن تفيد.

بدأت افكّر بطريقة أكثر تنظيما، عندها تذكّرت أنّهم اتفقوا على أن يكون الرمز عام ميلاد للشخص الذي قام بعملية الاستئجار، وتذكّرت أنه أصغر منّي بسنة. ببساطة أدخلت الأرقام الأربع… فانفتح الباب وانطلقت!

 

كثير من النجاحات في الحياة سببها في الحقيقة هو انّ من حقّقها فهم تركيبة الشفرة (او الكود) المميّز للنجاح.

 

بدأتُ أتأمل أمثلة لأشخاص حققوا إنجازات عظيمة، أحاول اكتشاف ما يجمع بينهم في طريقة التفكير أو الفعل.

جيف بيزوس مثلًا في عالم الأعمال، أو ألبرت أينشتاين حين صاغ إحدى أهم نظريات الفيزياء، النسبية.

وبدأت أتساءل، كيف “بالضبط” حقّقوا ما حقّقوه؟

 

بالطبع الإجابة معقّدة وتضمّ تفاصيل كثيرة، لكنّي انتبهت أنّها في جوهرها هي عبارة عن معلوماتٌ مُشفَّرة ظهرت بفعل إرادة واستعداد ذهني وفكري، على هيئة خطواتٍ عمليّة متتابعة.
تبيّن لي أن أي إنجاز عظيم يمكن تحقيقه من قِبل أي شخص! نعم، قلت لنفسي، اي شخص تقريبا يملك المكوّنات الأساسية يستطيع ان يتتبّع الشفرة.
الإمكانية موجودة، وليست مستحيلة.

تجلّى هذا الفهم عندما تذكّرت كيف أن بعض العلماء ظنّوا بأن أينشتاين لا بد أن يمتلك تركيبة دماغية مختلفة عن سائر البشر. ففي ظنّهم أن الدماغ “العادي” لا يستطيع أن يصوغ معادلات بذلك التعقيد ويقنع العلماء والعالم أجمع بفكرة ثورية تبدو جنونيّة مثل أن الزمن نسبي، وأن المكان والزمان مندمجان في كيان واحد اسمه الزمكان.

 

لكن الصدمة جاءت بعد أن قام أحد الجرّاحين بتشريح دماغ اينشتاين فورا بعد وفاته. المفاجأة كانت أنه لم يُعثَر على أدنى اختلاف بين دماغه وأدمغة الناس عمومًا، بل أنّ حجم دماغه كان ضمن المستوى الطبيعي وعلى الحد الأدنى من المدى أيضًا! (1)

صورة لدماغ اينشتاين
صورة لدماغ اينشتاين لا تظهر اي فروق جوهرية بينه وبين سائر ادمغة الناس الطبيعيين

معنى ذلك أنّ أي شخص يمتلك دماغًا “عاديًا” يستطيع -من حيث المبدأ- أن يفكّر في قضايا بالغة التعقيد ويُنتج إنجازًا كبيرًا مثل ذلك. وينطبق هذا على مجالاتٍ اخرى مختلفة ايضا.
مثلا، كثيرٌ من روّاد الأعمال الناجحين بدأوا بموارد أقل من معظم الناس: مثل بيل غيتس عندما لم يملك سوى كراج عائلته ليعمل فيه، أو إيلون ماسك وكيف بدأ بعد ان كان مهاجرًا.
جزءٌ كبير من سرّ نجاح هؤلاء أنّهم كتبوا تلك الشفرة (الكود) لإنجازاتهم خطوةً خطوة.

 

ماهو “الكود”؟

لنأخذ “أمازون” على سبيل المثال، مالذي أدّى إلى كلّ هذا النجاح العظيم الحالي؟ كيف استطاع مؤسس أمازون الوصول إلى هذا الإنجاز؟

 

في البداية يبدو نموذج عملهم بسيط: طلباتٌ عبر الإنترنت وتوصيل!

لكن عند التمعّن في الأمر، أدركت بأن هناك الكثير من التفاصيل الداخليّة وراء نموذج العمل البريء. سرعة التوصيل مثلا أو خدمة العملاء الممتازة والّتي تحافظ على جودتها حتّى مع حجم العمليّات الضخم، كلّها تبدو كأفكار بسيطة في ظاهرها ولكنّ الكيفيّة الّتي وراءها تجعلها منهجية صارمة تُدار بخطواتٍ دقيقة ومترابطة، كأنها معادلة رياضية تحفظ التوازن بين الدقّة والأناقة.

 

إنجازٌ كهذا يتطلّب فهمًا منطقيًا وتسلسلًا صحيحًا في تنفيذ الخطوات، تمامًا كما في الرياضيات:
(٢ × ٢) + ٦ = ١٠.

كل رقم في مكانه، ولو تغيّر الترتيب اختلّت النتيجة.

 

وأثناء تفكّري في هذا الترابط، رفعتُ نظري من الشاشة نحو فنجان القهوة أمامي، فابتسمتُ حين رأيت على سطحه معادلاتٍ ورسوماتٍ فيزيائية تشبه ما كنت أصفه تمامًا.
كانت لحظة طريفة، لكنها ذكّرتني بحقيقة بسيطة: أن الجمال والدقّة غالبًا ما يلتقيان في التفاصيل الصغيرة.

صورة لكوب

سرّ هذه الإنجازات العظيمة

السر دائمًا يكمن في الكود الخفي.
فمن أشهر المعادلات المنتشرة والمعروفة من قبل اغلب الناس هي معادلة أينشتاين E = mc². والّتي اصبحت تطبع في كل مكان حتّى على القمصان وأكواب القهوة.

هذه المعادلة تطبيقاتها واسعة تمتد من القنابل النووية إلى الأشعّات الطبيّة الضرورية التي يعتمد عليها تشخيص بعض الأمراض (PET scan في الامراض اللمفاوية).

تبدو المعادلة بريئة وبسيطة جدا: ثلاثة أحرف وحسب! مثل نموذج أمازون.
لكن مجدّدا، هذا هو الظاهر فقط.

 

خلف E = mc² شيفرةٌ مفاهيمية وخطواتٌ فكرية نسَجَها أينشتاين خطوة خطوة ثمّ بسّطها وضغطها في صيغةٍ واحدةٍ سهلة القراءة.

بدأت افكّر في شفرة هذه المعادلة وكيف تكوّنت. وأدركت انّ هذا المثال يلمس الفكرة مباشرة، فحتّى دون النظر في تفاصيل الخطوات، النظرة العامّة وحدها كفيلة بأن تعطي فائدة كبيرة وتبيّن اهميّة المبدأ.

 

خطوات شِفرة E = mc²

شفرة E = mc2

على الرغم من التعقيد الظاهر في خطوات اشتقاق المعادلة، ما استفدته منها تبلور بعد محاولتي في الرؤية من خلال عدسة أينشتاين وكيف أنّه بدأ بفهم المبادئ اساسية – كقانون الزخم، وتحويلات لورنتز، وقانون الطاقة- ثم ركّبها في خطواتٍ متماسكة ومنطقية حتى صاغ شفرته التي أنتجت E = mc²

وبالمثل، أي نجاح صغيرًا كان أو كبيرًا، يوجد له كود مكوّن من خطواتٍ، متى ما أنجزت بطريقة منطقية ومنظّمة، ستتركّب تلك المعادلة الانيقة.
بعض النجاحات شفرتها بسيطة مثل: 1 + 1 = 2

وبعضها أكثر تعقيدًا بقليل (5×7 − 12) + (15×2 + 5)

وقليل منها مثل النسبية وأمازون!

 

الخلاصة

أي نجاح مهما كان كبيرًا، فإن داخله شفرة تمثّل الخطوات اللازمة بالترتيب الصحيح والمنطقي. ما يبقى على أي شخص هو أن يكتشفها، ينظّمها ثمّ يكتبها.

مثلما أنّ الطريقة العشوائية لم تكن لتخرجني من وراء ذلك الباب….. الحلّ يتطلّب معرفة الكود.

وهذا ما أدركه الآن بينما نستمر في كتابة شفرة أوفيس ستيشن!

 

 

الكاتب: عبدالله الزهراني

تحرير وإعداد: إنعام مصطفى

التعليقات (0)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


The reCAPTCHA verification period has expired. Please reload the page.

أحيانًا تحس إنك تعبان..

لكن ما تقدر توقف لأنك تحاول تصنع شيء، بس البيئة ما تساعدك!