إدراك الذات في مواجهة الرفض

شعرت وكأن شيئًا حادًا استقر في صدري عندما تلقيت رفضهم لطلبي في هذه الفرصة الوظيفية.

طوال مسيرتي المهنية، لم أواجه مثل هذا الموقف من قبل، وكان الشعور بالرفض أشبه بالاصطدام بجدار لم أكن أدرك وجوده.

جلست في مكتبي أحدق في الشاشة، غير مستوعب لما حدث، شعرت أن المكان يضيق من حولي، فحملت مفاتيحي وخرجت إلى الشارع، أمشي بلا هدف، فقط لأهرب من هذا الإحساس الخانق.

 

في البداية، سيطر الغضب على تفكيري. كيف يرفضونني وهم من بادروا بالتواصل معي؟ كيف يتراجعون بعد كل الحماسة التي أظهروها أثناء المقابلات؟

رحت أُلقي باللوم عليهم، على قراراتهم، على إيحاءاتهم المُربكة، وعلى طريقتهم في إدارة الأمور.
شعرت أنني تعرضت للظلم، وهذا الشعور منعني من رؤية الصورة بوضوح.

لكن مع كل خطوة قطعتها، بدأ الغضب يتلاشى، وكأن الهواء البارد يطفئ نيرانه ببطء. وتباعًا، بدأت الأسئلة تتغير. ماذا لو لم يكن الخطأ منهم فقط؟ ماذا لو كنت قد ساهمت، ولو بطريقة غير مباشرة، في الوصول إلى هذه النتيجة؟

 

تذكرت حينها حديثًا دار بيني وبين زميل قديم قبل أيام من القرار النهائي. لم يكن يومًا من أقرب أصدقائي، كانت علاقتنا محايدة، لكنها لم تكن ودية بالكامل. أخبرته عن الفرصة بحماسة، وشاركت معه تفاصيل لم يكن هناك داعٍ لمشاركتها.

لم أفكر كثيرًا حينها، كنت منشغلًا بالحلم الذي بدا قريبًا. لكنه، لاحقًا، بدأ يسألني عن المستجدات بطريقة مبالغ فيها، بأسئلة بدت عابرة لكنها حملت في طياتها اهتمامًا غير مبرر. لم أربط الأمر بشيء وقتها، لكن الآن، وقد اتضحت النتيجة، بدأت أرى الصورة كاملة كما هي، وأرى دوره فيها بعد أن اكتشفت لاحقًا عن علاقته الوثيقة بأحد المسؤولين في لجنة قرار التعيين…

عندها، تذكرت مقولة قالها لي أحد الأصدقاء:

“الإنسان كومة من العواطف تمشي”

في لحظات كهذه، ندرك أن مشاعرنا تؤثر على قراراتنا أكثر مما نتصور، وتؤثر على قراراتنا بطرق لا ندركها إلا متأخرًا.

كنت غارقًا في حماسي، لدرجة أنني نسيت أن الحذر لا يقل أهمية عن الطموح. في البداية، رأيت الأمر كظلم وخطأٍ ارتكبه الآخرون بحقي، لكن بعد أن هدأت، أدركت أن لي دورًا فيما حدث.

 

الانتقال من اللوم إلى المسؤولية

الغريب أننا عندما نواجه انتكاسات، نميل إلى لوم العوامل الخارجية. نشعر وكأننا ضحية لظروف لا نتحكم فيها، ونبحث عن شخص نحمله مسؤولية الإخفاق. لكن مع مرور الوقت، يتضح أن هذه الطريقة في التفكير لن تغير شيئًا. ما حدث قد حدث، وما يمكنني تغييره هو كيف أتعامل مع الفرص المستقبلية.

حين أعدت التفكير في الأمر، طرحت على نفسي أسئلة مختلفة: هل كنت متسرعًا في ثقتي؟ هل كان بإمكاني أن أكون أكثر حذرًا؟ هل ركزت على الجوانب المهمة فعلًا، أم كنت غارقًا في المشاعر التي صاحبت هذه الفرصة؟ ربما لم يكن بوسعي تغيير النتيجة، لكن بالتأكيد كان بإمكاني التحكم بشكل أفضل ببعض التفاصيل.

لاحظت أيضًا بأنني لن أستفيد شيئًا من انتقادي للآخرين، ولكنني سأتعلم الكثير حين أوجّه انتقاداتي إلى الداخل. وأتأمل كيف كان من الممكن أن تكون النتيجة مختلفة لو اتخذت قرارات أكثر حكمة…

تذكرت حينها ما قاله روبرت غرين في كتابه “قوانين الطبيعة البشرية”، حيث يشير إلى أن الإنسان بطبيعته ليس عقلانيًا كما يظن، بل هو كائن تحركه مشاعره بالدرجة الأولى.

عندما نواجه صدمات أو خيبات أمل، نميل إلى تبرير الموقف عبر إلقاء اللوم على الآخرين، بدلًا من البحث عن مسؤوليتنا الشخصية. لكن غرين يوضح أن العقلانية ليست غائبة تمامًا، بل هي مهارة يمكن تنميتها من خلال الوعي الذاتي والممارسة المستمرة.

أن تكون عقلانيًا لا يعني أن تكون باردًا أو غير متأثر، بل أن تدرك متى يجب أن تقودك مشاعرك، ومتى تحتاج إلى التوقف والتفكير بعمق.

 

الخاتمة: إدراك المسؤولية والتغيير

اللحظة التي تدرك فيها أن اللوم يقع عليك وليس على الآخرين، هي اللحظة التي تبدأ فيها برؤية الأمور بوعي مختلف. ليس من السهل الوصول إلى هذا التوازن، لكنه هو الفارق بين من يكررون أخطاءهم، ومن يتعلمون منها.

في النهاية، ما نستطيع فعله هو أن نكون أكثر وعيًا في قراراتنا. أن نسأل أنفسنا قبل أن نتحمس أو نغضب: هل أرى الأمور كما هي فعلًا، أم أن مشاعري تعيد تشكيل الواقع ليبدو كما أريد أن أراه؟

عندما نطرح هذا السؤال بصدق، نجد أن الكثير مما بدا لنا غير منطقي في البداية، يصبح أكثر وضوحًا مع مرور الوقت.

 

الكاتب: عبدالله الزهراني

النشرة من إعداد: إنعام مصطفى