كان الاجتماع في منتصف النهار، عندما جلسنا حول الطاولة في قاعة الاجتماعات المضيئة. أمامي، كان أحد أعضاء اللجنة يتحدث بحماس عن حالة يتولى مسؤوليتها، محاولًا إقناعنا بأهمية اتخاذ قرار مكلف بشأنها.
في البداية، كنت متحمسًا للنقاش، متشوقًا لفهم التفاصيل والاستماع إلى مختلف وجهات النظر. لكن شيئًا فشيئًا، بدأت أشعر بالزمن يطول، وأصبحت نظراتي تتنقل بين عقارب الساعة والجدار المقابل.
لقد مرّت نصف ساعة كاملة، ولا يزال زميلي غارقًا في تفاصيل لا تنتهي، يغوص أكثر فأكثر في زوايا ثانوية لا تخدم جوهر القرار.
نظرتُ حولي، ورأيت التعبير ذاته مرسومًا على وجوه الحاضرين. مدير الاجتماع كان سارحًا، وأحد الزملاء كان ينقر بأصابعه على الطاولة، بينما الآخر يتصفح أوراقه بلا اهتمام….
أما أنا، فقد بدأ عقلي في الانشغال بقائمة مهامي المتبقية لهذا اليوم، متسائلًا: كيف يمكن لهذا النقاش أن يكون أكثر فاعلية؟
تخيّل عزيزي القارئ لو أني كصيدلي وبينما أصرف لك علاج المعدة، بدأت أشرح لك بالتفصيل عن المركّب الكيميائي ثمّ كيف يتفكك بالتفاعل مع أحماض المعدة وتفاصيل امتصاصه عن طريق نوع محدد من خلايا المعدة، ثم في الأخير قلت لك: “لذلك، عليك تناوله على معدة خاوية!”
أعتقد بأنك توافقني بأن أغلب الناس قد مرّوا بحالات مشابهة في مواجهة مثل هذه المحادثات. ولكن ياترى كم من المرّات كنّا نحن في الطرف الآخر من هذه المحادثات؟
لذلك، عزيزي القارئ، ستجد في هذه السطور مفتاحًا لتجنب المحادثات غير الفعّالة، حتى تصبح كلماتك أكثر تأثيرًا، وحواراتك أكثر قيمة:
أربع قواعد لصياغة المحادثات المؤثرة
بينما كان زميلي مسترسلًا في الحديث، استرجعتُ في ذهني القواعد التي وضعها عالم اللغويات البريطاني بول جرايسي حول المحادثات الفعالة. حيث ذكر أن:
سرّ نجاح أي محادثة ليس فقط في محتوى الرسالة، بل في كيفية تقديمها.
فالحوار الجيد يشبه قصة مشوّقة؛ تحتاج إلى توازن دقيق بين المعلومة والإيجاز، وبين الوضوح والترابط.
1. الكمية: لا تفرط في التفاصيل، بل ركّز على الجوهر.
عند الحديث في اجتماع أو نقاش مهني، من الضروري أن تكون المعلومات المقدمة بقدر الحاجة فقط، لا أكثر ولا أقل. فالإفراط في التفاصيل قد يؤدي إلى فقدان التركيز والتشويش على الفكرة الأساسية.
علم الأعصاب يخبرنا أن الدماغ لديه قدرة محدودة على استيعاب المعلومات دفعة واحدة، وأنه يبدأ تلقائيًا في “فلترة” الكلام غير الضروري. لذا، تقديم المعلومات بجرعة مناسبة يساعد على بقاء المستمعين في دائرة التركيز.
2. النوعية: كن دقيقًا وواضحًا فيما تقول.
جودة المعلومات لا تقل أهمية عن كميتها. يجب أن يكون حديثك قائمًا على حقائق واضحة ومنطقية، بعيدًا عن التقديرات العشوائية أو العبارات الفضفاضة. فالمعلومات غير المدعومة بأدلة تضعف من مصداقيتك، وقد تجعل المستمع يشكك في كامل حديثك، تمامًا كما أن قصة مليئة بالتناقضات تفقد القارئ اهتمامه.
3. الصلة: اربط حديثك بالسياق الأساسي.
أثناء المحادثة، قد يكون من المغري الانتقال إلى مواضيع جانبية قد تبدو ذات صلة من منظورك، لكنها في الواقع قد تشتت انتباه المستمعين.
تمامًا كما في الرواية الجيدة التي تلتزم بحبكة رئيسية دون التفرع إلى أحداث غير ضرورية، يجب أن يكون حديثك مترابطًا، بحيث تكون كل فكرة تدعم الفكرة الأساسية للنقاش دون أن تخرج عنه.
4. الوضوح: استخدم لغة مفهومة ومباشرة.
اللغة المعقدة قد تترك المستمع في حالة من الارتباك بدلًا من الفهم. كلما كان حديثك أكثر وضوحًا، كان تأثيره أقوى.
اختيار الكلمات المناسبة، وتجنب المصطلحات الغامضة أو القابلة للتأويل، يساعد في نقل الفكرة بسلاسة. إضافة إلى ذلك، ترتيب الأفكار بشكل منطقي ومتسلسل يجعلها أكثر سهولة في الاستيعاب والتفاعل.
عندما غادرنا الاجتماع، كنت متأكدًا من شيء واحد: لو قدّم زميلي حديثه كما تُحكى قصة ممتعة، لكنّا جميعًا أكثر انتباهًا، ولربما توصلنا إلى القرار المطلوب بسرعة وفاعلية.
ولكن زميلي خالف أحد قواعد المحادثة الفعّالة، هل خمنت ما هي، عزيزي القارئ؟
زميلنا قد خالف قاعدة الكميّة…
الخاتمة: اجعل كلماتك تحكي قصة
عند التفكير في الأمر، أدركت شيئًا مهمًا: على الرغم من التزام زميلي بباقي القواعد الثلاث الأخرى، إلا أن المحادثة لم تكن فعّالة كما ينبغي. عندها استوعبت أن لتحقيق تواصل ناجح، لا يكفي الالتزام ببعض القواعد وترك الأخرى —بل يجب أن تكتمل الصورة بجميع أركانها.
في المرة القادمة التي تدخل فيها اجتماعًا أو تخوض نقاشًا مهنيًا، تذكّر أن المحادثة الفعّالة ليست مجرد كلمات تُقال، بل عملية متبادلة تهدف إلى إيصال رسالة واضحة ومحددة بأفضل طريقة ممكنة.
الكاتب: عبدالله الزهراني
النشرة من إعداد: إنعام مصطفى