لماذا لا يراك الناس كما ترى نفسك؟

كنت أجلس في اجتماع داخلي حين طُرح اسم أحد الزملاء ليقود مشروعًا جديدًا. تفاجأت، ليس لأنه غير مؤهل — بل لأنه لم يكن الأبرز في تخصصه، ولا أكثرنا خبرة. ولكن كان اسمه أول ما خَطَر في أذهان الجميع.

بعد الاجتماع، ظللت أفكر… لماذا هو؟
والأهم: لماذا لم يخطر اسم شخص آخر؟

ولاحظت أن الأمر لم يكن عن الكفاءة فقط. بل كان عن شيء آخر تمامًا: الصورة الذهنية.
عن كيف نُرى، لا فقط من نكون.

 

التسويق الذاتي: ليس ترويجًا… بل توصيل

كثير من الناس يربطون “التسويق الذاتي” بالادّعاء أو المبالغة أو السعي خلف الانتباه. لكن الحقيقة مختلفة تمامًا.

التسويق الذاتي هو مهارة توصيل القيمة.
هو أن تعرف من أنت، وماذا تقدم، ثم تعبّر عن ذلك بطريقة تجعل الآخرين يدركونه.

تخيل أن لديك منتجًا ممتازًا — تصميم أنيق، جودة عالية، فعّالية مضمونة. لكن لا أحد يعرف عنه. لا أحد يسمع اسمه. لا أحد يفهم ما يقدّمه أو ماهو تأثيره.
النتيجة؟ يبقى على الرف.

وهكذا كثير من الناس: أصحاب كفاءة… لكنهم لا يعرفون كيف يسوّقون أنفسهم.

من أين تبدأ؟

  1. اعرف ما تبيعه فعلًا
    أنت لا “تبيع نفسك” بمعناها السطحي، بل تبيع القيمة التي تضيفها.
    هل أنت الشخص الذي يحلّ المشكلات؟
    هل تملك قدرة نادرة على التنظيم؟
    هل تنشر الطمأنينة في الفريق؟
    ابدأ من هنا: ما الشيء الذي يعرفه الناس عنك… ويطلبونه منك دون أن تعرض مساعدتك؟
  2. ابنِ لغة واضحة لقيمتك
    هل تستطيع أن تشرح ما تفعله بثلاث جُمل؟
    هل يعرف الآخرون كيف يساعدك وجودك في الفريق؟
    حين تتحدث عن نفسك، هل تحكي قصة؟ أم مجرد قائمة؟
    تذكر: التسويق الذاتي ليس خطابًا مبهرًا، بل وضوح داخلي ينعكس خارجيًا.
  3. استخدم التكرار الذكي
    الصورة الذهنية تُبنى بالتكرار، لكن ليس التكرار المزعج.
    بل التكرار المتزن: في طريقة توقيعك على البريد، في سيرتك الذاتية، في مشاركاتك، في أسلوبك عند عرض إنجازاتك.
    رسالتك يجب أن تكون واضحة… ومتكررة بهدوء.
  4. الحضور ليس إعلانًا… بل انسجام
    كيف تتحدث؟ كيف تكتب؟ كيف تتفاعل؟
    كل شيء فيك — صوتك، مظهرك، أسلوبك، حتى توقيت حضورك — هو جزء من “العلامة الشخصية” التي تقدمها.
    والتسويق الحقيقي؟ هو أن يكون كل هذا منسجمًا مع ما تقوله عن نفسك.

 

علم النفس الاجتماعي: الانطباع ليس عشوائيًا

في علم النفس الاجتماعي، هناك مفهوم يُسمى “الإدراك الانتقائي”
يعني أن الناس لا يرون الحقيقة كما هي، بل كما يُهيَّأ لهم أن يروها — بناءً على تكرار، وسياق، وتوقعات سابقة.

لذلك، من لا يُقدّم نفسه بشكل واضح، سيُترك لتفسيرات الآخرين، وقد لا تكون دقيقة أو عادلة.

وهنا تأتي أهمية إدارة الصورة الذاتية (Self-presentation) — وهو علم بحد ذاته.
أن تتحكم في كيف تُعرض، لا أن تُترك للتأويل.

الخوف من التسويق… جدار وهمي

الكثيرون يترددون من التسويق لأنهم يظنونه نرجسية. لكن الحقيقة؟

حين لا تسوّق نفسك، قد تُظلم… لا تواضعًا، بل غيابًا.
والأشخاص لا يُكافَؤون دائمًا على ما يقدمونه، بل على ما يفهمه الآخرون عنهم.

 

في النهاية…

كنت أظن أن الجهد وحده يكفي. أن النتائج تتحدث عن نفسها.
لكنني تعلمت لاحقًا أن النتائج لا تتحدث دائمًا — بل تحتاج من يوصل صوتها.

وأن التسويق الذاتي ليس مجاملة لذاتك، بل احترام لقيمتك.

فكر:
كيف تراك أعين الناس؟
وهل صورتك عندهم تعكس حقيقتك… أم نصفها فقط؟

لأن الحقيقة هي:
أنت لا تحتاج أن تكون مختلفًا… فقط أن تُفهم كما أنت.

 

الكاتب: عبدالله الزهراني

النشرة من إعداد: إنعام مصطفى