هل انت خارج نطاق الرادار؟

قبل سنوات، عملت مع أحد أكثر الأشخاص كفاءة ممن قابلتهم.
كان هادئًا، متقنًا، منجزًا، يعرف ما يفعل — لكنه نادرًا ما تحدّث عن إنجازاته.
لم يكن يسعى للظهور، ولا يطلب أن يكون في الواجهة.
كان يكتفي بأن يعمل… ويصمت.

مؤخرًا، التقيته مجددًا في بهو إحدى المؤسسات. لم يكن في موقع قيادي، بل في موقع تنفيذي تقني كما اعتاد.
وبينما كنّا نتبادل الأحاديث، مرّ بنا شخص شاب، أنيق، يبدو واثقًا بنفسه، بادله التحية الرسمية.

سألته بعد أن ابتعد: “من هذا؟”

أجاب بابتسامة خفيفة: “كان أحد متدربيني قبل سنوات… وهو اليوم مديري.”

عمّ الصمت للحظات. لم يكن في حديثه مرارة، لكنه حمل شيئًا أعمق: هدوء الاعتراف بأن الكفاءة وحدها لا تكفي.

 

أن تعمل بجد لا يعني أن تُلاحظ

كثير من الناس داخل المنظمات يعتقدون أن العمل الجاد وحده يكفي. وأن الإنجاز الحقيقي “يتحدث عن نفسه”.

لكن الحقيقة أن الإنجاز، مهما كان عظيمًا، قد لا يُلاحظ إن لم يُرَ أو يُقدَّم في اللحظة المناسبة، فالذي يُرى… هو الذي يُمنَح الوزن.

وما يطفو على سطح وعي الآخرين، يُصبح أكثر أهمية في عيونهم — حتى لو لم يكن الأفضل موضوعيًا.

وهذا ما تحدّث عنه روبرت سيالديني في كتابه Pre-Suasion: أن ما يسبق الانتباه يُضخّم التأثير.

الشيء الذي يُرى أولًا، أو يُقدَّم في السياق المناسب، يأخذ حيزًا أكبر في ذهن المتلقي — بغض النظر عن قيمته الفعلية.

 

مشهد يتكرر كثيرًا… ويؤسفك أن تراه

ألاحظ في المؤسسة بعض الأشخاص المبدعين بحق. أشخاص يملكون قدرات رائعة، ومهارات فنية وفكرية استثنائية.
لكنهم قابعون في مكاتبهم.
منغلقون داخل دوائرهم الضيقة. لا يُعرف عنهم شيء خارج نطاق فرقهم.

 

وفي المقابل، ترى زملاء آخرين — بنفس مستواهم، أو حتى أقل — يلمعون في الاجتماعات، ويُذكرون في المجالس، وتُفتح أمامهم الفرص.

والنتيجة؟
حين يحتاج أصحاب القرار إلى اختيار شخص لقيادة فريق أو تمثيل القسم، يختارون من يرونه، من يتكرر اسمه، من يظهر في الأفق، لا من يعمل بصمت.

هؤلاء — النوع الثاني — هم من يصعدون في المؤسسة.
وقد رأيتهم مرارًا… يأتون حديثًا إلى المكان، ثم بعد سنوات قليلة يصبحون مدراء على أولئك الذين يفوقونهم كفاءة — لا لأنهم الأفضل، بل لأنهم كانوا مرئيين لمن هم في مراكز القوة.

الانطباع، في نهاية المطاف، يبنيه من يُرى.

 

الظهور ليس استعراضًا… بل استراتيجية

أن يعرف الناس ما تفعله ليس غرورًا، بل ضرورة.

فالفرص لا تُمنح بناءً على الجهد الخفي، بل بناءً على ما يراه أصحاب القرار.

أن تتميز يعني أن تُعرّف الناس بما تفعل، وأن تربط اسمك بما ينجزه عقلك ويدك.

ليس المطلوب أن ترفع صوتك في كل قاعة، لكن:

  • شارك في الاجتماعات.
  • اعرض نتائجك بأسلوب واضح ومباشر.
  • تملّك سردية تختصر من أنت وما تضيفه.
  • اكتب، تحدث، اترك أثرًا يُذكّرك حين لا تكون حاضرًا.

 

هل تحب أن تبقى في الظل… أم أن تُقدّر بحق؟

السؤال الحقيقي ليس: “هل يرونني؟”

بل: “هل من العدل أن يبقى جهدي مخفيًا؟”

في النهاية، من لا يظهر… يُنسى.

ومن لا يتكلم… يُتجاهل.

ومن يخشى أن يُرى… قد يخسر ما يستحق، فقط لأنه انتظر أن يُلاحظ تلقائيًا.

فكّر الآن..

  • هل خفت يومًا أن تُظهر إنجازك؟
  • هل كنت تنتظر أن يراك أحد دون أن تطلب؟
  • هل قابلت أحدًا يستحق الأكثر، لكن طغى عليه من كان “أكثر حضورًا” لا أكثر نفعًا؟

لأن الحقيقة هي:

أنت لا تحتاج أن تكون صاخبًا…
لكن إن لم تكن حاضرًا في أذهانهم، فأنت لست حاضرًا على الطاولة.


 

الكاتب: عبدالله الزهراني

النشرة من إعداد: إنعام مصطفى